في وقت يعيش فيه السوريون ضغوطاً معيشية خانقة، كشفت الهيئة المركزية للرقابة والتفتيش عن مخالفات مالية تجاوزت 30 مليار ليرة سورية، في قطاعات حيوية تمس حياة المواطنين بشكل مباشر. التحقيقات الأولية فتحت نافذة واسعة على حجم الفساد المتغلغل في مؤسسات الدولة، وسط وعود بمحاسبة المتورطين وكشف تفاصيل غير مسبوقة.
فساد ممنهج في قطاعات استراتيجية
البيان الرسمي للهيئة أشار إلى أن قطاع الثروات المعدنية شهد مخالفات تعاقدية ضخمة، فيما تكبد قطاع الطاقة خسائر وصلت إلى 25 مليار ليرة. أما قطاع التموين، فكان الأكثر إثارة للقلق، مع تسجيل تجاوزات في توزيع المواد الأساسية، منها نقص بقيمة 1.8 مليار ليرة في مخبز واحد، و3.9 مليار في آخر، ما يعكس استهتاراً بقوت المواطنين.
إجراءات صارمة ومحاسبة علنية
الهيئة لم تكتف بالتشخيص، بل باشرت بالحجز على أموال المتورطين ومنع سفرهم، تمهيداً لإحالتهم إلى القضاء. هذه الخطوة تمثل تحولاً في التعامل مع ملفات الفساد، حيث يجري لأول مرة نشر التفاصيل بشكل علني وعلى نطاق واسع.
فساد متجذر وتحقيقات موسعة
نائب رئيس الجهاز المركزي للرقابة المالية، وسيم المنصور، أكد أن الفساد لم يكن مجرد تجاوزات فردية، بل منظومة متكاملة امتدت لعقود، وتسببت بخسائر تُقدّر بمئات ملايين الدولارات. الجهاز تسلّم مئات الملفات التي تورط فيها مسؤولون سابقون، وشكّل أكثر من 80 لجنة تحقيق متخصصة لكشف خيوطها المعقدة.
خطة 2025: رقابة أكثر شفافية ومشاركة شعبية
الجهاز الرقابي، الذي يتبع مباشرة لرئاسة الجمهورية، أعلن عن خطة عمل طموحة للعام 2025 تشمل تدقيق حسابات الجهات العامة، استكمال التحقيقات، ومعالجة نقص الكوادر عبر برامج تدريب متخصصة. كما سيتم إطلاق منصات إلكترونية لاستقبال الشكاوى ونشر تقارير دورية، في خطوة تهدف إلى إشراك المواطنين في الرقابة وتعزيز الشفافية.
ad
نحو قانون رقابي جديد يواكب المرحلة
ضمن الإصلاحات الجارية، يجري العمل على تحديث القانون الناظم لعمل الجهاز، بما يعزز استقلاليته ويواكب المعايير الدولية في التدقيق والمحاسبة. كما تم اعتماد منهجية “التدقيق المبني على المخاطر” لضمان جودة الأداء ومكافحة الفساد بفعالية أكبر.
هذه التطورات تعكس بداية مسار طويل لإعادة بناء الثقة بين الدولة والمواطن، وتؤكد أن مكافحة الفساد لن تكون مجرد شعارات، بل معركة مستمرة تتطلب إصلاحات جذرية ومحاسبة حقيقية.
الحل نت