منذ سنوات، تسعى فرنسا إلى الحفاظ على وجود مؤثر في الملف السوري، رغم وجود قوى كبرى مثل روسيا والولايات المتحدة وتركيا، الذين يهيمنون على المشهد. وتعتبر باريس أن دعمها السياسي والعسكري المحدود لـ”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) هو ورقتها الأساسية، حيث ترى في هذه القوات شريكاً حيوياً في مواجهة 11 وأداة فعالة للتأثير على مستقبل الحل ا في سوريا.
إلا أن هذا الدعم يضع فرنسا في مواجهة مباشرة مع تركيا، التي تعتبر “قسد” امتداداً لحزب العمال الكردستاني، وتتعامل مع أي دعم غربي لهذه القوات على أنه تهديد لأمنها القومي. خلال الأشهر الماضية، كثفت فرنسا جهودها لدفع “الإدارة الذاتية” الكردية والحكومة السورية للجلوس على طاولة الحوار، حتى وصلت إلى محاولة عقد لقاءات تفاوضية في باريس، لكن أنقرة سرعان ما أجهضت هذه المبادرات عبر ضغوطها على دمشق، وهو ما تجلى بشكل واضح بعد زيارة وزير الخارجية التركي هاكان فيدان، تلاها انسحاب النظام السوري من الاجتماع الفرنسي.
من منظور تركيا، تأتي محاولة فرنسا تثبيت وجودها عبر دعم “قسد” ضمن صراع أوسع على النفوذ في المنطقة. لفهم هذا الصراع بشكل أعمق، لا يمكن فصله عن السياق الأفريقي، حيث بدأت فرنسا منذ عام 2022 بسحب قواتها من دول الساحل وغرب إفريقيا مثل مالي والنيجر وبوركينا فاسو وتشاد وساحل العاج، وهو ما مثل خسارة لمساحات كانت باريس تعتبرها “حديقتها الخلفية”.
في المقابل، استغلت تركيا هذا الفراغ سريعاً، فعملت على تعزيز اتفاقيات التعاون العسكري والتنموية مع هذه الدول، حتى أن صادراتها إلى أفريقيا تضاعفت خلال العقد الماضي لتتجاوز 25 مليار دولار سنوياً. وهكذا، انتقل التنافس بين باريس وأنقرة من مدن مثل باماكو ونيامي إلى مناطق في شـ..ــــ.ـمال شرق سوريا مثل الحسكة والقامشلي.
لكن الواقع السوري يبقى أكثر تعقيداً من المشهد الأفريقي، حيث تسيطر روسيا على مفاصل مهمة في العاصمة دمشق، وتبقي الولايات المتحدة على وجود عسكري محدود في شرق الفرات يضم حوالي 900 جندي، إلى جانب استمرار دعمها المالي والتدريبي لـ”قسد” بمبالغ تفوق بكثير دعم فرنسا. وفي الوقت نفسه، تنظر الحكومة السورية الانتقالية بريبة إلى أي تقارب بين الأكراد وفرنسا، معتبرة أن الغرب يسعى لهيمنة جهة واحدة في شرق الفرات على حساب القوى السورية الأخرى.
ad
وهناك أصوات محلية سورية تؤكد أن هذا التنافس الدولي لا ينعكس بالضرورة على تحسين واقع السكان أو تقديم حلول فعالة.
في النهاية، تراهن باريس على دعم “قسد” لتعويض خسائرها في أفريقيا، بينما تسعى تركيا لغلق هذا الملف تماماً كما فعلت في ملفات أخرى مثل ليبيا. لكن فرص نجاح فرنسا في تثبيت نفوذها في سوريا تبقى محدودة بسبب التشابك الدولي وتعقيدات المشهد، بالإضافة إلى أن أي اتفاقات محتملة لا يمكن تمريرها دون تفاهمات أولية بين واشنطن وموسكو.
وبينما يستمر هذا الصراع السياسي والدبلوماسي، يبقى الأكراد والمجتمعات المحلية في شمال وشرق سوريا عالقين بين ضغوط تركيا، ووعود فرنسا، وحسابات الولايات المتحدة وروسيا.
الحل نت