بعد مضي أكثر من ثمانية أشهر على سقوط نظام بشار الأسد، وخروج كثير من أسرار القصر الخفية ودوائر السياسة الضيقة إلى العلن، بعدما ظلت طي الكتمان فترة طويلة، ما زالت هناك حلقة مفقودة عن ليلة سقوط “الرئيس الابن” الذي يعيش في حي فاخر بموسكو الروسية.
منذ ذلك الوقت لم يخرج الأسد للحديث عبر أية وسيلة إعلامية لا هو أو أي من أفراد عائلته، سوى مشهد سريع لابنه البكر حافظ ببث عبر إحدى منصات التواصل الاجتماعي. في هذا الوقت لا بد من معرفة ما دار في الأيام والساعات الأخيرة من تهاوي حكم عائلة الأسد ونجاح الانتفاضة وقوات المعارضة بالوصول إلى السلطة.
هنا تنشر “اندبندنت عربية” وثيقة مصنفة بـ “سرية للغاية” عن تلقي رئيس جهاز الاستخبارات العامة السورية في الخامس من ديسمبر (كانون الأول) 2024 أي قبل يومين فقط من سقوط النظام، وتلقي اللواء حسام لوقا الذي يترأس إدارة الاستخبارات العامة اتصالاً هاتفياً من رئيس جهاز الاستخبارات الإيطالية، الفريق جيوفاني كارافيللي، أبدى فيه حسب ما تشير الوثيقة “تضامنه مع سوريا في هذه اللحظة الصعبة”.
وكشفت الوثيقة ما أبداه من ضرورة الدعم الروسي لسوريا وأنه سيكون أمراً مهماً في هذه المرحلة، وذكر في الاتصال عن إجرائه اتصالات مع مجموعة من رؤساء الأجهزة الأمنية في المنطقة.
1.jpg
ما زالت هناك حلقة مفقودة عن ليلة سقوط “الرئيس الابن” الذي يعيش في حي فاخر بموسكو الروسية (اندبندنت عربية)
كذلك قدم رئيس الاستخبارات الإيطالية اقتراحاً لافتاً للنظر يتضمن تعليق العقوبات الأوروبية والأميركية المفروضة على البلاد، ومن بينها “قانون قيصر” وهو أشد قانون عقوبات يسمى أيضاً بـ “سيزر” والذي وضع حيز التطبيق في عام 2019، وفيه تشديد بفرض عقوبات على النظام وعلى من يتعامل مع النظام من أفراد وشركات ودول.
ad
وكشفت الوثيقة المسربة قول رئيس الاستخبارات الإيطالي كارافيللي في الاتصال، أنه “جرى التلميح إلى فكرة تعليق العقوبات ومنها قانون قيصر المفروض على سوريا، ولو لمدة تتراوح ما بين أربعة وستة أشهر. وعلم من أحد قادة أجهزة الاستخبارات العربية عن اقتراح مفاده بأن يكون هناك تفاهم بين الحكومة السورية و‘قسد‘، وذلك لكسبها كحليف ولو بشكل موقت، ويعلمون بأن ذلك صعب قبوله من قبل الدولة السورية”.
الوثيقة التي ترصد ما دار ما نقاش، حملت تصنيف “سري للغاية” برقم 969 وتاريخ الخامس من ديسمبر 2024 أي قبل يومين فقط من سقوط الأسد وهروبه من دمشق إلى العاصمة الروسية موسكو في طائرة خاصة.
واستعرض رئيس الاستخبارات الإيطالية في حديثه مع نظيره السوري، انشغال بلاده بما يحدث في سوريا، وأنهم “يضغطون على الإدارات الغربية، موضحين لها أن ما يحدث حالياً لعبة في غاية الخطورة، وستكون لها انعكاسات سلبية على أوروبا والولايات المتحدة”، وقال “إنها ليست مهمة سهلة لكنهم سيقومون بهذا الواجب”.
في المقابل، كشفت الوثيقة حديث رئيس الاستخبارات العامة اللواء حسام لوقا في ذلك الوقت، عن تحديده تركيا والكيـ.ـان وأوكرانيا والغرب التي تولت ترتيب التنظيمات المقاتلة التي تمكنت من اجتياح مدينة حلب شمال سوريا، وعملت على عملية تحرير أطلق عليها “رد العدوان” انطلقت في الـ27 من نوفمبر (تشرين الثاني) 2024.
ذكرت الوثيقة قائمة الأسئلة التي أعدها الجانب الإيطالي والتي وصلت للرئيس الأسد عن طريق اللواء لوقا (اندبندنت عربية)
وجاء في الوثيقة بحسب لوقا “توحيد التنظيمات في شمال شرقي سوريا بقيادة‘ المصنفة على لوائح الوبدء الهجوم في الوقت نفسه الذي توقفت فيه العمليات العسكرية في جنوب لبنان للتغطية على الكيـ.ـان
وتكشف الوثيقة السرية المسربة عن حديث رئيس الاستخبارات العامة لوقا لنظيره الإيطالي، “كان هجوم التنظيمات بأوامر من مشغليها بعد تدريبهم في تركيا وتجهيزهم بمختلف أنواع الأسلحة الحديثة والطائرات ا، وفتحت تركيا لهم حدودها لدخول أرتال في خرق واضح لما جرى الاتفاق عليه في سوتشي وأستانا بخصوص خفض التصعيد”.
رجل الاستخبارات السوري ورئيس هرم إدارتها ألقى باللوم على الرئيس التركي وأضاف في الاتصال الهاتفي ما يلي “نقض أردوغان (المقصود الرئيس التركي رجب طيب أردوغان) جميع العهود، حيث بدأ الهجوم بجبهة على نطاق واسع بلغ طولها نحو 100 كيلومتر دفعة واحدة باستخدام االحديثة والطيران المسيّر بكثافة. حينها نزح من مدينة حلب وريفها فقط أكثر من مليوني مواطن إلى باقي المحافظات السورية خوفاً وهرباً من بطش ، ولم يتم حتى الآن إحصاء الذين نزحوا من مدينة حماة، وهذا يدل على كذب تركيا والدول الغربية الذين يدعون حرصهم على النازحين”.
أسهب لوقا في شرحه لنظيره الإيطالي عن تفاصيل سياسية ترافقت مع المعركة التي تخوضها “القوات المهاجمة”، وجلّها من قوات المعارضة لنظام الأسد بعضهم عسكريون متمردون انشقوا عن صفوف الجيش وآخرون مدنيون اكتسبوا خبرة قتالية بعد توقف الحراك الشعبي في عام 2013 والانتقال إلى العمل العسكري بغية إسقاط نظام الحكم الأسدي، الذي امتد أكثر من نصف قرن، حكم حافظ الأسد سوريا من (1970 ـ 2000) وورث ابنه بشار الأسد، (يعمل طبيب عيون) الحكم من (2000 ـ 2024)، وقال “نلاحظ أن الإدارة الأميركية الحالية تحاول تعقيد المشكلات في المنطقة”، وفق ما ذكرته الوثيقة.
وأردف في حديثه، “نخوض معركة شرسة في محاور عدة، كنا نأمل في وجود موقف أوروبي واضح تجاه ما يحصل بسوريا ولكنه لم يحصل، وكان الدعم يصل ‘ ولا يصل للحكومة الشرعية”.
وفي نهاية الاتصال الهاتفي ذكرت البرقية طلب المسؤول الإيطالي برغبة فريق إعلامي من بلاده الوصول إلى سوريا وإجراء لقاء صحافي، يعده الفريق الإعلامي من التلفزيون الرسمي الإيطالي، ويضم كلاً من الصحافيين لوناردوا زيلينو وإيليا تورتوريني، وتحديد موعد السابع من ديسمبر (كانون الأول) كموعد إجراء الوفد الإعلامي المقابلة.
وذكرت الوثيقة قائمة الأسئلة التي أعدها الجانب الإيطالي مسبقاً وزودهم بها، والتي وصلت للرئيس الأسد عن طريق اللواء لوقا، وجاء في الأسئلة الموجهة للأسد ما يلي:
1 ـ فخامة الرئيس، ما تقييمكم للأوضاع في سوريا؟
2ـ ما تفسيركم لهذا التقدم المفاجئ والسريع للمجموعات ا التي دخلت حلب أولاً، ومن ثم مدينة حماة؟
3ـ ما دور القوات الجوية الروسية والفصائل العراقية في الدفاع عن سوريا؟
4ـ إيران أبدت استعدادها للتدخل في سوريا بناء على طلب دمشق، فهل ستطلب المساعدة من طهران؟
ad
5ـ فخامة الرئيس، هل يمكنك القول إنك تسيطر على بلدك؟
6ـ هل لديك خشية أن نعود إلى أهلية جديدة أودت خلال الأعوام الأخيرة بحياة 500 ألف شخص؟
8ـ وفقاً لكثير من المحليين، فإن سوريا باتت مسرحاً للصراع بين روسيا والولايات المتحدة الأميركية، هل هذا صحيح؟
9ـ عند وصولكم إلى السلطة قبل 20 عاماً تقريباً كان آنذاك حديث متداول عن ضرورة فتح موسم إصلاح، فاليوم تعتبر سوريا بالنسبة إلى بعض الدول الغربية واحدة من أقل الدول انفتاحاً في الشرق الأوسط، ما رأيكم بالخصوص؟
10 ـ في تلك الفترة (أعني عند وصولكم إلى السلطة) كان هناك حديث حول التطبيع مع، فاليوم نود أن نسألكم: هلالحق في الوجود؟
اندبندت عربية